كتب رانجان سولومون أنّ الاعتراف الدولي بفلسطين لا يكفي لتحقيق العدالة، فبرغم أنّ مئة وثلاثاً وأربعين دولة اعترفت دبلوماسياً بها، يظلّ الحصار يخنق غزة، وتستمرّ المستوطنات في التمدد فوق أراضي الضفة الغربية، ويُحرم ملايين اللاجئين من حق العودة.

ويؤكد الكاتب أنّ هذا التناقض بين الاعتراف الرمزي والواقع القاسي يكشف حقيقة أساسية: الاعتراف وحده بلا قوة إلزامية لا يغيّر شيئاً أمام دولة تقوم بنيتها على الاستعمار والفصل العنصري وإخضاع شعب بأكمله.

أوضح تقرير ميدل إيست مونيتور أنّ مسار إسرائيل طوال ستة وسبعين عاماً يعكس مشروعاً استيطانياً استعمارياً متعمد البنية، من النكبة عام 1948 حين جرى تهجير أكثر من سبعمئة ألف فلسطيني، وصولاً إلى قصف غزة اليوم.
ويشير إلى أنّ خبراء القانون، مثل ريتشارد فولك المقرر الأممي السابق لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، صنّفوا إسرائيل كدولة تمارس الفصل العنصري بما يخالف اتفاقية 1973 الخاصة بقمع ومعاقبة جريمة الفصل العنصري.

كما شدّد رأي محكمة العدل الدولية الصادر في يوليو 2024 على أنّ ضم إسرائيل للأراضي وسياسات احتلالها غير قانونية ويجب إنهاؤها سريعاً. غير أنّ غياب آليات الإنفاذ يجعل هذه القرارات بلا أثر.

يضيف الكاتب أنّ الاعتراف، رغم قيمته الدبلوماسية، يظلّ عديم الجدوى سياسياً ما لم ترافقه إجراءات تضرب البنية الفعلية لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي.
إذ تواصل إسرائيل ممارسة امتيازاتها في النظام العالمي: تجارة حرة، مشاركات ثقافية ورياضية، مليارات من المساعدات العسكرية خاصة من الولايات المتحدة، إضافة إلى حماية في مجلس الأمن عبر الفيتو الغربي.
وبالتالي، لا يُسقط الاعتراف طائرات السلاح، ولا يجمّد حسابات الشركات المستفيدة من الاحتلال، ولا يمنع استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي في عواصم الغرب.

تاريخ جنوب إفريقيا يقدّم الدرس الواضح. فالنظام العنصري لم ينهَر لأن العالم اعترف بالمؤتمر الوطني الإفريقي، بل انهار حين عُزلت الدولة دولياً، ورفضت الفرق الرياضية اللعب معها، وامتنع الفنانون والأكاديميون عن دخولها، وفرضت العقوبات الاقتصادية وخنق الحصار جيشها، وسُحبت عضويتها من هيئات أممية.
الاعتراف كان ضرورياً، لكن العزلة القسرية كانت الحاسمة. ومن دون عزل مماثل، تستمر إسرائيل في تكريس نظامها كما هو حاصل اليوم.

ويشدّد التقرير أنّ الدعوة الحالية يجب أن تعكس وتتفوق على حملة مناهضة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
فإسرائيل ليست مجرد دولة تنتهك القانون الدولي، بل دولة موصوفة بانتهاكات متكررة وموثقة من منظمات مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وبتسيلم، التي أكدت جميعها أنّ النظام القائم ليس مؤقتاً بسبب "تهديدات أمنية"، بل منظومة دائمة للهيمنة العرقية تمنح الامتياز لليهود الإسرائيليين وتقصي الفلسطينيين في مجالات الأرض والموارد والتنقل والحقوق السياسية.

ويؤكد الكاتب أنّ الاعتراف غير المدعوم بعقوبات يسمح للنظام بالازدهار.
فهو يمنح حكومات الشمال العالمي فرصة لتقديم أنفسها كداعمة للعدالة بينما تواصل صفقات السلاح والشراكات الاستخبارية.
كما يسمح للشركات متعددة الجنسيات بالاستفادة من الاستيطان غير القانوني بلا خشية فقدان الأسواق.
والأخطر أنّه يترك القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية تمضي في حصارها ومجازرها بلا ثمن يُذكر.

ويشير إلى أنّ العقوبات لا تحمل طابعاً عقابياً فقط، بل وقائياً أيضاً.
فميثاق الأمم المتحدة في مواده (39–41) يمنح مجلس الأمن حق فرض قيود اقتصادية وقطع للعلاقات الدبلوماسية على الدول التي تهدد السلم.
كما يُلزم اتفاق منع جريمة الإبادة الدول الموقعة باستخدام كل الوسائل المتاحة لمنعها لا مجرد معاقبة مرتكبيها بعد وقوعها.

ويذكّر الكاتب بأنّ محكمة العدل الدولية أصدرت في يناير 2024 أوامر مؤقتة في قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، معتبرة أنّ هناك احتمالاً معقولاً لارتكاب إبادة في غزة، وألزمت إسرائيل بمنع ذلك، لكن تل أبيب تجاهلت القرار علناً، ما يهدد بجعل الدول الأخرى متواطئة قانونياً إذا استمر صمتها.

ويطرح التقرير خيار تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة باعتباره ممكناً رغم صعوبته السياسية.
فقد جرى تعليق عضوية جنوب إفريقيا عام 1974 بسبب سياساتها العنصرية، كما استُبعدت يوغوسلافيا السابقة عام 1992 جراء عدوانها في البوسنة.
وبناء على المعايير القانونية ذاتها، يبرّر نظام الفصل العنصري الإسرائيلي مع الاتهامات الموثقة بالإبادة معاملة مماثلة، ما من شأنه أن يسحب الشرعية الدولية ويبعث برسالة أنّ الاحتلال والتطهير العرقي لن يكونا أمراً طبيعياً مقبولاً.

ويرى الكاتب أنّ الحجج الرافضة للعقوبات بحجة "الحوار" أو "خطر عزل المجتمع الإسرائيلي" ليست سوى تكرار لما قيل في حقبة جنوب إفريقيا.
فالنتيجة آنذاك كانت معاكسة؛ إذ ساهمت المقاطعة في نزع الشرعية الداخلية للنظام وحفّزت المقاومة الشعبية.
واليوم يظهر أنّ غالبية المجتمع الإسرائيلي منخرطة في دعم الاحتلال، ما يجعل كسر التوافق الداخلي مرهوناً بكسر الامتياز الدولي الذي يوفره القبول العالمي.

كما يفضح التقرير ازدواجية معايير القوى الغربية.
إذ سارعت هذه الدول إلى فرض عقوبات شاملة على روسيا عقب غزوها أوكرانيا، لكنها عند التعامل مع إسرائيل تكتفي بخطاب "ضبط النفس" و"الجانبين"، وهو ما يكشف عن تراتبية عنصرية في النظام الدولي تقلّل من قيمة حياة الفلسطينيين ومعاناتهم.

ويخلص الكاتب إلى أنّ الاعتراف بلا عقوبات يصبح بمثابة مخدر خطر يخدع الضمير العالمي، فيظن أنّ الواجب الأخلاقي أُدي بينما الواقع لم يتغير.
فأطفال غزة سيبقون يشربون ماء ملوثاً، ومزارعو الضفة سيطردون من أراضيهم بفعل عنف المستوطنين، والشتات الفلسطيني سيظل محروم الحق في العودة.
أما إسرائيل فستواصل توسيع الاستيطان وهدم المنازل وقصف المخيمات بطمأنينة الحصانة.

وبذلك، يضع العالم أمام خيار حاسم: إمّا أن يتحول الاعتراف إلى نقطة انطلاق لحملة عزل شاملة سياسياً واقتصادياً وثقافياً ضد نظام الفصل العنصري، أو يظل مجرّد لفتة فارغة في ظل تطهير عرقي متسارع.
العدالة الحقيقية تتطلب عقوبات وتعليق عضوية وعزلاً كاملاً حتى تصبح الحرية الفلسطينية واقعاً ملموساً لا وهماً دبلوماسياً.

https://www.middleeastmonitor.com/20250816-recognition-without-justice-why-palestine-needs-sanctions-not-symbolic-gestures/